كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وأعوذ بك رب} أي: أيها المربى لي {أن يحضرون} في حال من الأحوال خصوصًا حال الصلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل؛ لأنها أحرى الأحوال، وهم إنما يحضرون بالسوء، ولو لم تصل إلى وساوسهم، فإن بعدهم بركة، وعن جبير بن مطعم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال عمر: ولا أدري أي صلاة هي فقال: «الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، والحمد لله كثيرًا ثلاثًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا ثلاثًا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه؛ قال: نفثه الشعر ونفخه الكبر، وهمزه الموتة» أخرجه أبو داود؛ لأن الشعر يخرج من القلب فيلفظ به اللسان، وينفثه كما ينفث الريق والمتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه ويحتاج إلى أن ينفخ، والموتة الجنون والمجنون يصير في الدنيا كالميتة، ثم إن الله تعالى أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت بقوله تعالى: {حتى} وهي هنا كما قال الجلال المحلي ابتدائية أو متعلقة بيصفون أو بكاذبون كما قال الزمخشري، وقدّم المفعول ليذهب الوهم في فاعله كل مذهب فقال: {إذا جاء أحدهم الموت} فكشف له الغطاء وظهر له الحق ولاحت له بوارق العذاب، ولم يبق في شيء من ذلك ارتياب {قال} متحسرًا على ما فرّط فيه من الإيمان والطاعة مخاطبًا لملائكة العذاب على عادة جهله ووقوفه مع المحسوس من دأب البهائم {رب ارجعون} أي: ردوني إلى الدنيا دار العمل، ويجوز أن يكون الجمع له تعالى وللملائكة أو للتعظيم على عادة مخاطبات الأكابر سيما الملوك كقوله:
ألا فارحموني يا إله محمد

وقوله:
فإن شئت حرمت النساء سواكم

أو القصد تكرير الفعل للتأكيد؛ لأنه في معنى أرجعني كما قيل في قفا واطرقا فإنهما بمعنى قف قف واطرق اطرق، ولما كان في تلك الحالة مع وصوله إلى الغرغرة ليس على القطع من اليأس قال: {لعلي أعمل} أي: لأن كون على رجاء من أن اعمل {صالحًا فيما تركت} أي: ضيعت من الإيمان بالله وتوابعه فيدخل في الأعمال الأعمال البدنية والمالية وعنه صلى الله عليه وسلم «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان بلى قدومًا على الله، وأما الكافر فيقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت» قال قتادة: ما تمنى أن يرجع إلى أهله ولا عشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله امرأ عمل فيما تمناه الكافر إذا رأى العذاب، وقال ابن كثير: كان العلاء بن زياد يقول: لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت واستقال ربه، فأقاله فليعمل بطاعة الله تعالى، ولما كان القضاء قد قطع بأنه لا يرجع ولو رجع لم يعمل بطاعة الله عز وجل، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون، قال الله تعالى له ردعًا وردًا لكلامه: {كلا} أي: لا يكون شيء من ذلك وكأنه قيل: فما حكم ما قال؟ فقيل: {إنها كلمة} والمراد بالكلمة في اللغة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض رب ارجعون إلى آخره {هو قائلها} وقد عرف منه الخداع والكذب فهي كما عهد منه لا حقيقة لها، فلا يجاب إليها ولا تسمع منه وهو لا محالة لا يخليها، ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه، وتسلط الندم {ومن ورائهم} أي: أمامهم والضمير للجماعة {برزخ} أي: حاجز حائل بينهم وبين الرجعة، واختلف في معناه فقال مجاهد: حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا، وقال قتادة: بقية الدنيا، وقال الضحاك: البرزخ ما بين الموت إلى البعث، وقيل: هو الموت، وقيل: هو القبر هم فيه {إلى يوم يبعثون} وهو يوم القيامة، وفي هذا إقناط كليّ من الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا، وإنما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة.
{فإذا نفخ في الصور} أي: القرن، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنها النفخة الأولى {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض} {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون}، وعن ابن مسعود أنها النفخة الثانية قال: يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين، ثم ينادي منادٍ هذا فلان بن فلان، فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه فيفرح المرء أن يكون له حق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه، فيأخذه منهم، ثم قرأ ابن مسعود فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون، وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها النفخة الثانية {فلا أنساب بينهم} أي: لا يتفاخرون بالأنساب {يومئذٍ} كما كانوا يتفاخرون بها في الدنيا {ولا يتساءلون} سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيل أنت، ولم يرد أن الإنسان ينقطع نسبه.
فإن قيل: قد قال تعالى هنا: {ولا يتساءلون} وقال تعالى في موضع آخر: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} الصافات؟
أجيب: بأن ابن عباس قال: إن للقيامة أحوالًا ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل، فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون، وقيل: التساؤل بعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
{فمن ثقلت موازينه} أي: بالأعمال المقبولة، قال البقاعي: ولعل الجمع لأن لكل عمل ميزانًا يعرف أنه لا يصلح له غيره، وذلك أدل دليل على القدرة {فأولئك} أي: خاصة قال أيضًا: ولعله جمع للبشارة بكثرة الناجي بعد أن أفرد للدلالة على كثرة الأعمال أو على عموم الوزن لكل فرد {هم المفلحون} أي: الفائزون بالنجاة والدرجات العلى.
{ومن خفت موازينه} لإعراضه عن تلك الأعمال المؤسسة على الإيمان {فأولئك} خاصة {الذين خسروا أنفسهم} لإهلاكهم إياها باتباعها شهواتها في دار الأعمال وشغلها بأهوائها عن مراتب الكمال وقوله تعالى: {في جهنم خالدون} بدل من الصلة، أو خبر ثان لأولئك، وهي دار لا ينفك أسيرها ولا ينطفىء سعيرها.
ثم استأنف قوله تعالى: {تلفح} أي: تغشى بشدّة حرّها وسمومها ووهجها {وجوههم النار} فتحرقها، فما ظنك بغيرها، واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيرًا {وهم فيها كالحون} أي: عابسون قد شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته».
وقوله تعالى: {ألم تكن آياتي} أي: من القرآن على إضمار القول أي: يقال لهم: ألم تكن آياتي {تتلى عليكم} أي: تتابع لكم قراءتها في الدنيا شيئًا فشيئًا {فكنتم بها تكذبون} ثم استأنف جوابه بقوله تعالى: {قالوا ربنا} أي: المسبغ علينا نعمه {غلبت علينا شقوتنا} أي: ملكتنا بحيث صارت أحوالها مؤدّية إلى سوء العاقبة {وكنا} أي: بما جبلنا عليه {قومًا ضالين} في ذلك عن الحق أقوياء في موجبات الشقوة فكان سببًا للضلال عن طريق السعادة.
{ربنا} يا من عودنا بالإحسان {أخرجنا منها} أي: من النار تفضلًا منك على عادة فضلك وردّنا إلى دار الدنيا لنعمل ما يرضيك {فإن عدنا} إلى مثل ذلك الضلال {فإنا ظالمون} لأنفسنا، ثم استأنف جوابهم بأن: {قال} لهم بلسان ملك بعد قدر الدنيا مرتين كما يقال للكلب {اخسؤوا} أي: انزجروا زجر الكلاب وانطردوا عن مخاطبتي ساكتين سكوت هوان {فيها} أي: النار {ولا تكلمون} أصلًا، فإنكم لستم بأهل لمخاطبتي لأنكم لن تزالوا متصفين بالظلم فييأس القوم بعد ذلك، ولا يتكلموا بكلمة إلا الزفير والشهيق والعواء كعواء الكلاب، وقال القرطبي: إذا قيل لهم ذلك انقطع رجاؤهم، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض فانطبقت عليهم، وعن ابن عباس أن لهم ست دعوات إذا دخلوا النار قالوا ألف سنة {ربنا أبصرنا وسمعنا} [السجدة: 12] فيجابون {حق القول مني} [السجدة: 13] فينادون ألفًا {ربنا أمتنا اثنتين} [غافر: 11] فيجابون {ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم} [غافر: 12] فينادون ألفًا {يا مالك ليقض علينا ربك} [الزخرف: 77] فيجابون {إنكم ماكثون} [الزخرف: 77] فينادون ألفًا {ربنا أخرنا إلى أجل قريب} [إبراهيم: 44] فيجابون {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل} [إبراهيم: 44] فينادون الفًا {ربنا أخرجنا نعمل صالحًا} [فاطر: 37] فيجابون {أولم نعمركم} [فاطر: 37] فينادون ألفًا {ربنا أخرجنا منها} [المؤمنون: 6] فيجابون {اخسئوا فيها} [المؤمنون: 108]، ثم لا يكون لهم إلا الزفير والشهيق والعواء، ثم علل ذلك بقوله تعالى: {إنه كان} أي: كونًا ثابتًا {فريق} أي: ناس قد استضعفتموهم {من عبادي} وهم المؤمنون {يقولون} مع الاستمرار {ربنا} أي: أيها المحسن إلينا بالخلق والرزق {آمنا} أي: أوقعنا الإيمان بجميع ما جاءتنا به الرسل {فاغفر لنا} أي: استر لنا زللنا {وارحمنا} أي: افعل بنا فعل الراحم {وأنت خير الراحمين} لأنك تخلص برحمتك من كل شقاء وهوان.
{فاتخذتموهم} أي: فتسبب عن إيمانهم أن اتخذتموهم {سخريًا} أي: تسخرون منهم وتستهزؤن بهم، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بضم السين، والباقون بالكسر وهو مصدر سخر كالسخر إلا أن في ياء النسب زيادة قوّة في الفعل كما قيل: الخصوصية في الخصوص، وعن الكسائي والفرّاء أن المكسور من الهزء والمضموم من السخرية والعبودية، أي: تسخرونهم وتتعبدونهم؛ قال الزمخشري: والأول مذهب الخليل وسيبويه، انتهى. وأظهر الذال عند التاء ابن كثير وحفص، والباقون بالإدغام {حتى أنسوكم ذكري} أي: بأن تذكروني فتخافوني، وأضاف ذلك إليهم لأنهم كانوا السبب فيه لفرط اشتغالهم بالاستهزاء بهم {وكنتم منهم تضحكون} استهزاء بهم نزلت في كفار قريش كانوا يستهزئون بالفقراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل بلال وعمار وصهيب وخباب، ولما تشوّقت النفس بعد العلم بما فعل بأعدائهم إلى جزائهم قال الله تعالى: {إني جزيتهم اليوم} أي: بالنعيم المقيم {بما صبروا} أي: على عبادتي ولم يشغلهم عنها تألمهم بأذاكم، كما يشغلكم عنها التذاذكم بإهانتهم ففازوا دونكم وهو معنى قوله تعالى: {إنهم هم الفائزون} أي: بمطلوبهم الناجون من عذاب النار، وقرأه حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف والباقون بفتحها على أنها مفعول ثان لجزيتهم، ثم إن الله تعالى: {قال} لهم على لسان الملك المأمور بسؤالهم تبكيتًا وتوبيخًا لأنهم كانوا يظنون أن بعد الموت يدوم الفناء ولا إعادة، فلما حصلوا في النار وأيقنوا أنها دائمة، وأنهم فيها مخلدون سألهم {كم لبثتم في الأرض} على تلك الحال في الدنيا التي كنتم تعدونها فوزًا {عدد سنين} أنتم فيها ظافرون ولأعدائكم قاهرون، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {قل كم} بضم القاف وسكون اللام على الأمر للملك أو لبعض رؤساء أهل النار، والباقون بفتح القاف واللام وألف بينهما خبرًا وتقدم توجيهه وأظهر الثاء المثلثة عند التاء المثناة فوق نافع وابن كثير وعاصم وأدغمها فيها الباقون.
{قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم} يشكون في ذلك. فإن قيل: كيف يصح في جوابهم أن يقولوا ذلك، ولا يقع من أهل النار الكذب؟
أجيب: بأنهم نسوا ذلك لكثرة ما هم فيه من الأهوال، وقد اعترفوا بهذا النسيان حيث قالوا: {فاسأل العادين} أي: الملائكة المحصين أعمال الخلق وأعمارهم؛ قال ابن عباس: أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين، وقيل: قالوا ذلك تصغيرًا للبثهم وتحقيرًا له بالإضافة إلى ما وقعوا فيه من دوام العذاب قال بعضهم:
لا أن أيام الشقاء طويلة ** كما أن أيام السرور قصار

وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين وترك الهمز بعدها وكذا يفعل حمزة في الوقف والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها ثم: {قال} الله تعالى لهم على لسان الملك: {إن} أي: ما {لبثتم} أي: في الدنيا {إلا قليلًا}، لأن الواحد وإن طال مكثه في الدنيا فإنه يكون قليلًا في جنب ما يلبث في الآخرة {لو أنكم كنتم تعلمون} أي: في عداد من يعلم في ذلك الوقت لما آثرتم الفاني على الباقي ولأقبلتم على ما ينفعكم ولتركتم أفعالكم التي لا يرضاها عاقل، ولكنكم كنتم في عداد البهائم، وقرأ حمزة والكسائي: {قل} أمرًا، والباقون: {قال}؛ خبرًا، و{لبثتم} تقدم مثله، وتوجيه {قال} و{قل} ثم وبخهم الله تعالى على تغافلهم بقوله تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم} على ما لنا من العظمة، وقوله تعالى: {عبثًا} حال أي: عابثين كقوله: لاعبين، أو مفعول له أي: ما خلقناكم للعبث، ولم يدعنا إلى خلقكم إلا حكمة اقتضت ذلك، وهي أن نتعبدكم ونكلفكم المشاق من الطاعات وترك المعاصي {و} حسبتم {أنكم إلينا لا ترجعون} في الآخرة للجزاء، وروى البغوي بسنده عن أنس «أن رجلًا مصابًا مرَّ به على ابن مسعود فرقاه في أذنه أفحسبتم إنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون، ثم ختم السورة فبرىء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو أن رجلًا موقنًا قرأها على جبل لزال»، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء الفوقية وكسر الجيم، والباقون بضم الفوقية وفتح الجيم، ثم نزّه سبحانه وتعالى نفسه عما يقوله ويصفه به المشركون بقوله تعالى: {فتعالى الله} أي: الذي له الجلال والجمال علوًا كبيرًا عن العبث، وغيره مما لا يليق به {الملك} أي: المحيط بأهل مملكته علمًا وقدرة وسياسة وحفظًا ورعاية {الحق} أي: الذي لا يتطرق الباطل إليه في شيء في ذاته ولا في صفاته فلا زوال له ولا لملكه {لا إله إلا هو} فلا يوجد له نظير أصلًا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فهو متعالٍ عن سمات النقص والعبث، ثم زاد في التعيين والتأكيد والتفرد بوصفه بصفة لا يدعيها غيره بقوله تعالى: {رب العرش} أي: السرير المحيط بجميع الكائنات التي تنزل منه محكمات الأقضية والأحكام ولذا وصفه بالكرم فقال: {الكريم} أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين، ولما بيّن سبحانه وتعالى أنه الملك الحق لا إله إلا هو أتبعه بأن من ادّعى إلهًا آخر، فقد ادعى باطلًا بقوله تعالى: {ومن يدع مع الله} أي: الملك الذي لا كفء له {إلهًا آخر} يعبده {لا برهان له به} أي: بسبب دعائه بذلك إذا اجتهد في إقامة برهان على ذلك لم يجد، ثم ذكر أنّ من قال ذلك فجزاؤه العقاب العظيم بقوله تعالى: {فإنما حسابه} أي: جزاؤه الذي لا يمكن زيادته ولا نقصه {عند ربه} أي: الذي رباه ولم يربه أحد سواه الذي هو أعلم بسريرته وعلانيته، فلا يخفى عليه شيء من أمره، ولما افتتح السورة بقوله: {قد أفلح المؤمنون} ختمها بقوله: {إنه لا يفلح الكافرون} أي: لا يسعدون، فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة. ولما شرح الله تعالى أحوال الكفار في جهلهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أمر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بالانقطاع إليه والالتجاء إلى غفرانه ورحمته بقوله تعالى: {وقل رب} أي: أيها المحسن إلى {اغفر وارحم} أي: أكثر من هذين الوصفين {وأنت خير الراحمين} فمن رحمته أفلح بما توفقه له من امتثال ما أشرت إليه أول السورة، فكان من المؤمنين وكان من الوارثين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، فقد انطبق على الأول هذا الآخر بفوز كل مؤمن وخيبة كل كافر، فنسأل الله تعالى أن يكون لنا ولوالدينا ولأحبابنا أرحم راحم وخير غافر إنه المتولي للسرائر والمرجو لإصلاح الضمائر، وما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة المؤمنون بشرته الملائكة بالروح والريحان، وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت» حديث موضوع، وقوله أيضًا تبعًا للزمخشري: روي أن أول سورة قد أفلح وآخرها من كنوز العرش من عمل بثلاث آيات من أولها واتعظ بأربع آيات من آخرها فقد نجا وأفلح، قال شيخ شيخنا ابن حجر حافظ عصره: لم أجده. اهـ.